سورة آل عمران - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17)}.
التفسير:
هاتان الآيتان الكريمتان تبينان المنهج الذي يستقيم عليه الإنسان، ليكون في عداد أولئك المتقين الذين وعدهم اللّه بجنات تجرى من تحتها الأنهار وأزواج مطهرة ورضوان من اللّه.
فالتقوى لا يكسبها الإنسان إلا بمجاهدة، ولا يبلغها إلا بعد أن يقطع إليها طريقا شاقا من الجهد المتصل والعمل الدائب، في طاعة اللّه وابتغاء مرضاته.
وأول هذا الطريق. الإيمان باللّه، الذي هو ملاك التقوى، وبغيره لا يقبل عمل، ولا يؤذن لإنسان بالدخول مع المتقين.. {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ}.
ثم إن الإيمان بلا عمل زرع بلا ماء.. لا يزهر ولا يثمر.
والصّبر هو عدة المؤمنين، وزادهم العتيد في الطريق الشاق الذي يصحبون به الإيمان، ليصل بهم إلى التقوى، فبالصبر يغلب الإنسان شهواته، ويقهر أهواءه، ويحتمل تكاليف الشريعة، ويؤديها على الوجه الأكمل لها.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [52: البقرة] والصّبر ملاك أمره الصّدق.. الصدق في القول والعمل.. والصدق مع النفس، ومع الناس، ومع اللّه- فإذا لم يكن ذلك كان الصّبر بلادة، وموانا، وموقفا سلبيا من الحياة. ولكن إذا واجه الإنسان الحياة ومعه الصبر وجد في كل موقف شاق طريقين: طريق الكذب والهروب، وطريق الصدق والثبات.. وهنا تظهر فضيلة الصبر، ويتجلى أثره.. {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.
والولاء للّه، والإنفاق في سبيله، وقيام الليل واستقبال الأسحار بالتوبة والاستغفار.. كل هذه مواقف يمتحن فيها إيمان المؤمنين، وصبرهم، واستمساكهم بالحق الذي أمر اللّه به.
فبهذه المجاهدات- مع الإيمان- يبلغ الإنسان منازل المتقين، وينال رضوان اللّه، وينعم بجنات النعيم.


{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}.
التفسير:
الذين يؤمنون باللّه، يجدون في كل لمحة من لمحات الوجود آيات تشهد بوحدانيته المطلقة، وتفرده بالوجود المطلق، فإن لم يكن لهم نظر يؤدّيهم إلى التحقق من هذه الحقيقة، فقد حملتها إليهم ثلاث شهادات قاطعة:
أولا: شهادة اللّه، فقد شهد الحق لنفسه: أنه لا إله إلا هو.. وهى عند المؤمنين شهادة صدق مطلق، لا تعلق بها شائبة أو تشوبها شبهة.
ثانيا: شهادة الملائكة، وهم خلق جبله اللّه على الحق والصدق المطلقين.
وقد يقول جهول: كيف يشهد اللّه لنفسه وكيف السبيل إلى سماع هذه الشهادة والتحقق منها؟
أما شهادة اللّه لنفسه، فقد نطق بها هذا الوجود الذي هو صنعة يديه، والذي يشهد كل موجود فيه، بقدرته، وعلمه، وحكمته ووحدانيته، وإن لم تشهد بها الموجودات لسانا، فقد شهدت بها عيانا واعتبارا، لمن نظر واعتبر.
أمّا من لم يكن له نظر واعتبار، فليأخذ بشهادة أهل النظر والاعتبار.. ليأخذ بشهادة الملائكة، وهم بعض هذا الخلق الذي خلق اللّه، وهم الذين لا يفترون عن عبادته، ولا ينقطعون عن ذكره.. فإن لم يجد لشهادة الملائكة أذنا تسمع، فليستمع إلى شهادة بشر مثله، خلقوا من طينته، ونطقوا بلسانه، وهم:
ثالثا: أولو العلم، الذين نظروا في هذا الوجود، فعرفوا اللّه، وعاينوا آثار قدرته، وعلمه، وحكمته، ووحدانيته. وهذه شهادة لا يردّها عاقل، مهما كان حظه من العقل.. فإن الأعمى الذي لا يسلم يده للمبصر الذي يقيمه على الطريق، هو لا محالة ملق بنفسه إلى التهلكة.. والمقعد الذي لا يستسلم لمن يحمله، لا يزال هكذا ملتصقا بالأرض إلى أن يهلك، غير مأسوف عليه.
أما شهادة اللّه وشهادة الملائكة، فقد أخذ بهما أولو العلم فكانت مع شهادتهم نورا إلى نور ويقينا إلى يقين.. {وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً} [166: النساء].
وقوله تعالى: {قائِماً بِالْقِسْطِ} صفة للإله المتفرد بألوهيته، كما شهد بذلك اللّه سبحانه، والملائكة، وأولو العلم.. والمعنى شهد اللّه والملائكة وأولو العلم أنه لا إله إلا هو قائما بالقسط، أي إلها قائما على الوجود بالعدل المطلق، فيما خلق وفيما نوّع وفرق من مخلوقات، وفيما قدر لكل مخلوق من صورة، ورزق، وأجل.. إذ ليس في الإمكان أبدع مما كان.
وقوله: {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قد يكون توكيدا لما شهد اللّه به والملائكة وأولو العلم، أو يكون إقرارا بلسان الوجود كله بعد أن سمع تلك الشهادة فصدّقها، معترفا بوحدانية اللّه، مقرا بقيامه على ملكه بالعدل، مذعنا لعزته، راضيا بحكمه، فهو {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.


{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19)}.
التفسير:
بعد أن بين اللّه صفته التي ينبغى أن يؤمن عليها المؤمنون، وهو أنه لا إله إلا هو المتفرد بالألوهية، القائم على ملكه بالعدل، فإلى جانب سلطانه المطلق، عدله المطلق، وهو العزيز الذي تقوم إلى جانب عزته، حكمته، فلا يخاف أحد بغيا أو عدوانا من جهة العزيز الحكيم!- بعد أن بيّن اللّه صفته على هذا الوجه، بيّن دينه الذي يدين عباده به، ويتعبدهم بشريعته، ذلكم الدين هو الإسلام الذي حمله رسل اللّه، إلى عباد اللّه، من آدم إلى محمد، عليهم جميعا الصلاة والسلام.
يقول اللّه سبحانه وتعالى لنبيه الكريم: {إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً} [163: النساء].
فالذى أوحاه اللّه إلى رسله، هو دينه الذي ارتضاه لعباده، وهو الإسلام.
وفى هذا يقول سبحانه وتعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [13: الشورى] وفى قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} إشارة إلى ما وقع بين أصحاب الكتب السماوية من خلاف، وأنه خلاف لم يقم على عقل، ولم يستند إلى منطق، لأن الكتب التي يختلفون فيها تجىء من مصدر واحد، وتتجه نحو غاية واحدة، فيلتقى بعضها ببعض، ويصدّق بعضها بعضا، فكيف يقع بينها خلاف أو يدور عليها اختلاف؟ وكيف يؤمن الإنسان ببعض الشيء ثم يكفر ببعضه الآخر؟ إن ذلك لم يكن إلا عن بغى وعدوان بين أصحاب هذه الكتب.. فاختلاف من اختلف من أهل الكتاب، وزيغ من زاغ منهم، إنما هو عن علم، وذلك هو البغي على الحق، والعدوان على العقل! وقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} تهديد لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، ونذير لهم إذا اختلفوا، وكفّر بعضهم بعضا، ثم هو تحذير لهم من أن يكون شأنهم مع الكتاب الذي نزل على محمد كشأنهم فيما كان منهم مع الكتب التي نزلت على الأنبياء من قبله، وخاصة النبيين الكريمين، موسى وعيسى عليهما السّلام.. إن يفعلوا {فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ}.
لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8